أبجد هوز

 شَهدَت الآونة الأخيرة الكثير من المنتديات والمهرجانات الخطابية بمُناسبة الاستحقاق الرئاسي... تِلك المُناسبة التاريخية الكبرى، والتحدّي السياسي الأعظم لدى الشعب السوري منذ عقود. وقد نالت جامعة دمشق نصيبَها الأكبر من تلك الندوات الفكرّية والسياسيّة والثقافيّة بما يُكافئ ثِقلها الضخم في المجتمع وبما يتناسب وتاريخها العريق، وبما يوازي المسؤوليات المُلقاة على عاتقها في تجسيد رسالتها الخالدة لرفع راية الفكّر والعلم والمعرفة في سورية والعالم العربي.

 
وقد تحدث في هذه المنتديات العشرات من المُثقفين والمُفكّرين والسياسيين السوريين، الذين صالوا وجالوا في عوالم السياسة والاجتماع والتاريخ، والذين زيّنوا معظم أحاديثهم ونقاشاتهم بشواهد من النثر والشعر والأدب.. فأبدع العديد منهم، ما أعطى هذه المناسبة بُعداً فكرياً جديداً، فجعلها تنال حظّها الذي تستحق من المتابعة والاهتمام. وقد كان لجامعة دمشق الحصّة الكبيرة من هؤلاء المتحدثين.. فأقيمت على مدرجاتها وفي قاعاتها المُنتشرة هنا وهناك العديد من اللقاءات، واحتشد لأجلها المئات من الطلبة وأعضاء الهيئة التعليمية. ولأن الجميل لا يكتمِل.. فقد شاب الاستماع إلى الخطباء ضعف لغتهم العربية.. تلك اللّغة التي كانت تُحسب لمعظم السورييّن دون غيرهم رصانة وقوّة في فنون الكتابة والقراءة والخطابة.. فكانت المفاجآت في معظم الأحيان صاعقة.. نصب فاعل وجرّ منصوب ورفع مجرور.. جرائم لّغوية كانت ترتكب صباح مساء من على منابر الجامعة، وإهانات للسان العرب.. الوعاء الوحيد المتبقي من كرامة العرب.
 
وَلعلّك قد تَجدُ عُذراً لبعضهم فيما لو تحسست مستوى ثقافتهم، لكنك ستُصاب بخيبة الأمل عندما يكون النقاش أو الخطابة بعصمة أستاذ جامعي.. فَمع الأسف كان معظمهم لا يَلّم بأبسط قواعد النحو ومبادئ الصّرف.. أخطاء صارخة يُندى لها الجبين، وعجز مُحبط لإلقاء جملتين متتابعتين بلغة سليمة. أما الأمر الأكثر استغراباً هو أن تلك الأخطاء الّلغوية لم تَعُد تلقى استهجان المستمعين وكأن آذانهم ألِفت.. بل تعودّت.. نشاز اللحن بدلاً من أن تُثير اشمئزازهم.
 
في لقاء لرئيس جامعة دمشق الأسبق مع السفير الصيني منذ بضعة أعوام كنت قد حضرت جزءاً منه، جرى الحديث عن آفاق تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها في المعهد العالي للغات بجامعة دمشق.. وقد تمنى السفير آنذاك افتتاح شُعب إضافية لإقامة دورات لتعليم اللغة العربية لعدد جديد من المبتعثين الصينيين.. وتحدث حينها السفير عن السُمعة الجيدة للمدرسين السوريين، وعن الأجواء الحميمية الممتازة لتعلّم اللغة العربية في مدينة دمشق نظراً لمكانتها التاريخية والثقافية والفكرية والاجتماعية المتميّزة، وعن رغبة مُعظم الطلاب الصينيين تعلّم اللغة العربية في دمشق للأسباب السابقة مجتمعة.. إلا أن اللافت للانتباه خلال حديث السفير الصيني عتبه على المدرسين لتحدثهم مع الطلاب باللغة العامية بدلاً من الفصيحة، مؤكداً أن التحدث باللغة العامية خطأ فادح.. ووباء على أي لغة وسبب في اندثارها مع الزمن.. دون أن أنسى أن السيد السفير كان يتحدث اللغة العربية الفصحى.
 
لن أخوض في قضايا إشكالية أخرى لكن يكفي مؤسساتنا التعليمية من المشكلات ما يُعرقل تقدم خططها واستراتجياتها لتتحول نقطة القوة الأساسية لديها، وهي التعليم باللغة العربية إلى نقطة ضعف.. ولنتذكر دائماً أن جامعة دمشق تميزت عن جميع جامعات العرب بأنها أول جامعة تعلم العلوم باللغة العربية... فهل سيبقى هذا التميّز؟؟؟
 
أ.د. محمد عامر المارديني