طريقة طيفية بسيطة للتعيين الكمّي لحمض الغليوكسيليك ضمن مزيج اصطناعه.. بحث علمي في كلية العلوم

يعدّ التعيين الكمّي لحمض الغليوكسيليك في مزيج تفاعل تحضيره تحدّياً نظراً لتركّب المزيج من أحماض كربوكسيلية متقاربة القوة في التشرد، ومركبات تحمل زمراً عضوية قابلة للأكسدة والإرجاع، وهو الأمر الذي يجعل تعيينه بالاعتماد على الطرائق التحليلية التقليدية من معايرة وفصل وترسيب أمر غير عملي وغير دقيق، وهذا ما ثبت من خلال التجارب الأولية، في حين أن طرق التعيين بتقنيات الكروماتوغرافيا الحديثة مكلفة وغير متوفرة في أغلب الأحيان. 

وفي هذا السياق جرى في كلية العلوم بجامعة دمشق بحث علمي هدفه الاعتماد على طريقة لونية قديمة، ترتكز على التفاعل الذي اكتشفه هوبكنز وكول (F.G. Hopkins, S.W.Cole) في العام 1901، في تطوير طريقة طيفية بسيطة وموثوقة لتعيين تركيز حمض الغليوكسيليك في مزيج تفاعله مباشرة دون الحاجة لفصله.

 مع العلم أنه مازالت الطريقة التي اكتشفها هوبكنز وكول تستعمل حتى اليوم للكشف الكيفي عن التربتوفان في البروتينات لكونه الحمض الأميني الوحيد الذي يحتوي حلقة إندول، حيث يمزج محلول البروتين مع كاشف هوبكنز وكول الحاوي على حمض الغليوكسيليك ثم يضاف حمض الكبريت المركز ببطء ليتشكل طبقتان بينهما حلقة قرمزية ناتجة عن تفاعل زمرة ألدهيد حمض الغليوكسيليك مع حلقة إندول التربتوفان في الوسط اللامائي الذي يؤمنه حمض الكبريت المركز، ويمثل ظهور الحلقة القرمزية دليل ايجابية الاختبار.

ومن المعلوم أن اختبار هوبكنز– كول لم يكن سهلاً وموثوقاً منذ اكتشافه نظراً لبطء تشكل المنتج (اللون) وقلة ثباته، مما أدى إلى اقتراح طرائق معّدلة لهذا الاختبار تمثلت أفضل نتائجها بإضافة مواد مساعدة مثل كبريتات النحاس أو بإضافة مؤكسدات خفيفة مثل البرسلفات وأيون الحديد الثلاثي من شأنها تسريع ظهور اللون القرمزي المميزّ للتفاعل وزيادة ثباته.

 تم خلال هذا البحث دراسة المركبات التي يمكن أن تتشكل بين الألدهيدات العضوية والتربتوفان وكان نتيجتها معرفة أن هناك صباغ أزرق لهذه الألدهيدات مع التربتوفان وأخر أحمر ويشكلان مع بعضهما اللون القرمزي (الكارمن) الذي يتسم به هذا الاختبار، لكنه لم يستعمل بعد في التعيين الكمّي لحمض الغليوكساليك ربما لكثرة العوامل المؤثرّة في دقة التعيين كما يشرحه نتائج هذا العمل.

وجرى خلال البحث دراسة في مختبرات كلية العلوم حول تأثير كميّات حمض الكبريت المركز وكلوريد الحديد والتريبتوفان والزمن ودرجة الحرارة اللازمة لتمام تفاعل هوبكنز-كول والبحث عن إمكانية تداخل مكونات المزيج الأخرى في الاختبار.

 وقد وجد البحث أن للسيطرة على كمية الحرارة المنتشرة أثناء إضافة حمض الكبريت المركز تأثير مهم في الحصول على نتائج صحيحة للاختبار، وتبيّن أن الشدة اللونية معبّر عنها بالامتصاصية التي قيست عند طول موجة 560 nm بمقياس المطياف الضوئي تزداد بازدياد حجم حمض الكبريت المركز بشكل مطّرد حتى بلوغ قيمة ثابتة تمثل 5 مل لكل 0.25 مل عينة مقاسة.

 كما لوحظ ازدياد الامتصاصية مع كل من كلوريد الحديد والكاشف التربتوفان حتى بلوغ قيم ثابتة توافق التراكيز 0.003 M و 0.0005 M، على التوالي. كما تبيّن عدم إمكانية اجراء الاختبار عند درجة حرارة 15Oم بسبب كمية الحرارة الكبيرة التي تتولّد بشكل آني عن التفاعل، أما الاختبارات التي تمت فوق 60Oم فكانت تكراريتها جداً متدنية، وأعطت ألواناً مختلفة تدلّ على سلوك التفاعل منحى آخر، أما عند درجة حرارة حوالي 50Oم وزمن تفاعل أمثل يقدّر بحوالي 30 دقيقة فإن الاختبار قد أعطى تكرارية جيدة.

كما تبين من الدراسة أن استكيومترية التفاعل بالطريقة المعدّلة بين التربتوفان وحمض الغليوكسيليك هي 2: 3 مول على التوالي وليس 1:2 كما كان يعتقد وفق الطريقة الأصلية. وبناءً عليه تم استنتاج آلية جديدة للتفاعل.

وللتأكد من صحة الطريقة المتبعّة قورنت معطياتها بالاعتماد على طريقة الكروماتوغرافيا السائلة عالية الأداء HPLC المرجعية، وكانت النتيجة أنّ الطريقة الطيفية الجديدة موثوقة لتعيين حمض الغليوكسيليك في مزيج تفاعل التصنيع الذي يحتوي على حمض الأوكساليك، وحمض الغليكوليك، وحمض الخل، والغليوكسال، وغليكول الإيثيلين عن طريق تفاعل هوبكنز-كول المعدل بين حمض الغليوكسيليك والتربتوفان بوجود كلوريد الحديد وحمض الكبريت المركز.

 كما أعطى الغليوكسال اختباراً سلبياً مع التربتوفان على الرغم من أنه ثنائي الدهيد النطاق الخطي لتركيز حمض الغليوكسيليك هو 0–0.028 M، وحدود الكشف الكمي والنوعي هي 0.0019 M و 0.00577 M على التوالي. وأظهرت كلتا الطريقتين نفس الدقة والمصداقية.

وتكتسب نتائج هذا البحث أهمية خاصة وذلك بإمكانية استخدامها في التحاليل الطبية لتعيين البروتين والتربتوفان ،مما يدعم أهداف التنمية المستدامة المتعلقة بالصحة العامة من خلال اعتمادها على مواد ليست خطرة وغير ضارة بالبيئة في التحاليل المخبرية وتوفير المال والوقت.